المكرّس صاحب القلب الكبير
خلق الله القلب صغيراً بيولوجياً، لكنه كبير وعظيم معنوياً وروحياً، يحوي كل المكرمات والصفات والكمالات. فهو عظيم ليستطيع أن يحقق إرادة الله العظيمة. العظيم لا يخرج من كنزه إلا العظائم. قلب الكاهن منطبع على الشهامة والأقدام، لا يتهرّب من مسؤولية ولا من واجب ولا من عمل. لا بل شأن الكنيسة وتحقيق عمل الخلاص. أصحاب القلب الكبير خلقوا ليكونوا جبابرة أقوياء. لا مكان فيهم للخنع ولا للخلع ولا للعرج. هكذا كان آباء الكينسة أمثلة حيّة لهذا القلب السخيّ الكبير.
ليست الحياة كما يتخيّلها الشعراء، أو كما نقرأها في القصص، أو كما نراها على الشاشة، أو كما نسمع في الأحاديث. إن الحياة لا يعرفها إلاّ من عاشها ورأى ألمها والأكدار والمصاعب التي تشحنها. فالقلب الكبير من رأى الشقاء فراح يتطوّع لإزالته.
القلب الكبير من رأى الفقير، فراح يتطوّع لخدمته.
القلب الكبير من رأى المريض، فراح يتطوّع لمعالجته.
القلب الكبير من رأى اليتيم، فراح يُرفّه عنه.
القلب الكبير من رأى الضّال، فراح يبحث عنه.
هذه مسيرة الدعوة الكهنوتية تبدأ في القلب ولا تعاش إلاّ بأعمال القلب، من عاش هكذا هو الحيّ بالحياة الإنسانية، ومن لا يعيش هذا الواقع، فهو في القمر، وما وراء القمر.
صاحب القلب الكبير هو كذلك السامري الذي لم يجري في ركاب الجيل. لكنه نزل عن مطيته، وحمل الجريح بين يديه. وبعد أن ضمّد جراحه نقله على دابته الى الفندق. وبهذا صان نفسه من الوقوع في الشرّ الذي وقع فيه سواه.
"إذهب أنت أيضاً واعمل مثل ذاك" (لوقا 10/37).
هذا هو أمر المسيح لمن أراد أن يكون صاحب قلب كبير.
صاحب القلب الكبير يتروّض على الاتضاع ويغلب الكبرياء النائمة في طبيعته البشرية.
صاحب القلب الكبير يتروّض على المحبّة والخدمة ويغلب الحسد الكامن فيه والذي يحطّم مبادراته وطموحاته.
صاحب القلب الكبير يتروّض على التجرّد ويغلب الطمع والأنانية.
صاحب القلب الكبير هو من جعل قلبه مركزاً للفضائل ومسكناً لمواهب الروح.
هذا ما يرضي الآب، القلب الكبير، أو من هو صاحب "القلب الفقير" (متى 5/3) وصاحب "القلب النقي" (متى 5/8).